يعرف شهر أكتوبر في الثقافة المحلية للصحراويين بـ"شهر الديَّار" أي الباحث عن ضوال الإبل، لأن شهر أكتوبر في العادة يخلو من العواصف الرملية، فتبقى أثار ضوال الإبل لزمن طويل مما يمكن من تتبعها، غير أنه من الجلي أن شهر أكتوبر من هذا العام سيكون مختلفاً على غير العادة، ذلك أن نذر عواصفه بدأت تلوح في الأفق.
فالمعركة الديبلوماسية التي تدور رحاها بين طرفي النزاع الصحراوي – المغربي ستنتقل هذه المرحلة من شهر أبريل إلى شهر أكتوبر بناء على توصيات الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" الذي يرى ضرورة مراجعة المسار التفاوضي المتوقف نتيجة رفض المغرب لبحث خيار الاستفتاء الذي قد يفضي إلى استقلال الصحراء الغربية الذي هو جوهر مخطط السلام الأممي الذي تلتزم به الأمم المتحدة منذ سبتمبر 1991.
بل والأكثر جدية هذه المرة هي إصرار الأمين العام وممثله الضخصي السيد كريستوفر روس على نقل الملف من دائرة الأمانة العامة للأمم المتحدة إلى طاولة مجلس الأمن للبحث عن خيارات يبدو أن المغرب – المتضايق أصلاً من وجود روس ومساعيه وتصوراته- لايحبذها لعل من قبيل نقل الملف الصحراوي من البند السادس إلى البند السابع مما يعني أقتراب النزاع المعمر من نهايته الحتمية.
هذه التطورات تأتي والرباط تعيش جملة من الصعوبات الديبلوماسية التي لم تعرفها طوال تاريخها الحديث، فعلاقاتها بجوارها المغاربي شبه مقطوعة،إذ أن التصعيد المغربي ضد الجزائر والذي بلغ قمته بإهانة العلم الوطني الجزائري في عيد انطلاقة الثورة التحريرية في الجزائر والحملات الاعلامية والديبلوماسية المغربية المتكررة ضد الجزائر جعلت العلاقات بين البلدين تتقهقر إلى مستويات متدنية، في الوقت الذي تظل فيه السفارة الموريتانية في المغرب دون سفير منذ ثلاث سنوات مع شكاوي معلنة وخفية من سؤ معاملة التجار والطلبة الموريتانيين في المغرب والتضييق عليهم مع ما يصاحب ذلك من خرجات اعلامية غير موفقة.
أما دوليا فإن الرباط التي تشتكي منذ سنوات من "سؤ فهم مزمن" من قبل البريطانيين وقد أنضم إليهم حلفاءهم الامريكان من الموقف المغربي من نزاع الصحراء الغربية خاصة في شقه الحقوقي، تنضاف إليه أزمة غير مسبوقة مع حليفتها التاريخية فرنسا، ضاعف منها اصرار السلطات المغربية على اخضاع القضاء الفرنسي للمزاج السياسي المغربي المتقلب عبر الخرجات الاعالمية والتشهيرية، بل واتخاذ خطوات عقابية ضد القضاء الفرنسي من قبيل تجميد التعاون القضائي وتقليص التنسيق بين البلدين في ملفات سيادية، المغرب فيها أحوج إلى فرنسا منها إليه، ويدل على تعكر المزاج الديبلوماسي المغربي تجاه فرنسا استدعء الرباط للسفير الفرنسي والاحتجاج عليه مرتين في ظرف يقارب الثلاثة أشهر فقط وهو مؤشر واضح على المزاجية التي تعامل بها الرباط فرنسا دون أن تحسب عواقب نفاذ صبر جزء عريض من النخبة السياسية والاعلامية الفرنسية من هذا التعامل غير الودي الذي بلغ قمته باستدعاء مدير وطني مغربي للسفير و"بهدلته"، غير أن صمت الديبلوماسية الفرنسية وابتعادها عن الاثارة الاعلامية لايعني تجرعها للإهانات دون رد كما يرى المراقبون.
الضيق المغربي من حلفاءه الغربين بدأ جليا في خطاب العاهل المغربي الأخير حيث ظهر أنه ينوي اسناد ظهره إلى روسيا والصين وكأنما المغرب ذو أهمية استراتيجية في سياسات هذين البلدين الكبيرين كما هو شأن سوريا أو العراق، إن البرغماتية الصينية العميقة والنظرة الروسية الحذرة في رسم علاقاتهما الخارجية تجعل من المغرب بلداً ثانويا في سلم أولويات هذه الدول العملاقة.
البدائل المغربية
لقد شكلت السنوات الاخيرة تحولات عميقة في النظرة الدولية للنزاع الصحراوي المغربي حيث فشلت الرباط بصورة كاملة في اقناع العالم بجدية مخططها للحكم الذاتي في الصحراء الغربية الذي جاء للقفز على المخطط الأممي للسلام القائم على ضرورة تنظيم استفتاء حر وعادل ونزيه يختارمن خلاله الصحراويون بحرية مستقبلهم السياسي، ينضاف إلى ذلك الحضور الوازن لملفي الانتهاكات الممغربية لحقوق الانسان ونهب الثروات الطبيعية الصحراوية بصورة متزايدة في المشهد الصحراوي وفي ضؤ الرؤية السياسية الدولية الجديدة القائمة على قبول استقلال عدد من الاقاليم والمستعمرات السابقة كما هو الحال في تيمور الشرقية وجنوب السودان وكوسوفو والحضور المتزايد للأصوات القومية في بلدان أوروبية عديدة من قبيل اسبانيا والمملكة المتحدة وغيرها.
وأمام اصرار المغرب على عدم التعاون مع المبعوث الأممي السيد "كريستوفر روس" المدعوم من قبل الإدارة الأمريكية والأمين العام للأمم المتحدة ومن خلفه مجلس الأمن فإن موعد النقاش المقرر في شهر أكتوبر المقبل بات يطرح على الرباط أسئلة مقلقة، تظهر المؤشرات الحالية عدم توفيق الرباط في الاهتداء إلى الاستجابة إليها.
وفي رأي عدد من المتابعين فإن الرباط ستحاول اغراق المشهد المغربي بالتحركات الاعلامية والسياسوية التي تنفع في إلهاء المواطن المغربي دون أن تفلح في تجاوز الاستحقاقات الدولية التي تلوح نذرها في الأفق.
ففي هذا السياق يذكر عن استعداد المغرب لإظهار إلتفاف الصحراويين حول خيار الحكم الذاتي المغربي عبر حشد المسيرات والمنابر الاعلامية والخطب وبيانات الولاء والبيعة – كما جرت العادة- وكأنما يعيد التاريخ نفسه متذكرين العيون في يونيو 1970 أومسيرة 6 نوفمبر 1975.
كما يهم المغرب كما تقول التسريبات الاعلامية باستحداث نسخة جديدة من "اكجيجمات" عبر موريتانيا واسبانيا يتم فيها استدراج المتضررين من البطالة في موريتانيا أومن أثارتقليص اسبانيا للمساعدات الانسانية التي كانت تقدمها المقيمين على اراضيها جراء الأزمة الاقتصادية التي تضربها منذ 2008 والتي لاتبدو في الأفق مؤشرات على نهايتها.
الصورة الاعلامية لهذه المجموعات الصحراوية والموريتانية من ضحايا البطالة والباحثة عن "لقمة العيش"، إضافة إلى المسيرات المليونية التي تحمل صور ملك المغرب واعلامه الحمراء والتي يلبس فيها المغاربة الزي التقليدي الصحراوي، فضلا عن جملة من التعيينات والمنح ورفع سقف المعاشات في المدن المحتلة من الصحراء الغربية، كلها قد تشكل الرد المغربي على سعي مجلس الأمن إلى تحريك الملف الصحراوي إلى مسارات الحل النهائي عبر احداث الجعجة وإثارة الضجيج، وهذا إن حصل فإن ما يبرهن مرة أخرى على أن الرباط مازالت تصر على التغريد خارج سرب المنتظم الدولي، فإلى متى ستتمكن من ذلك التغريد؟.
شهر أكتوبر هذه المرة قد يحمل اجابات وربما يكشف مفاجأت تعد تفاصيلها الأن في مطابخ المخابرات المغربية من جهة وفي أروقة المبنى الزجاجي الأشهر في نيويورك، ومهما كانت تفاصيل اكتوبر المقبل وابريل الذي يليه فإن الصحراويين سيبقون في بلادهم متشبثين بحقوقهم الوطنية، فبعد السيول والعواصف " لايبقى في الوادي غير صخوره ".
بقلم: د. غالي الزبير
كاتب وباحث من الصحراء الغربية