أحمد منصور |
لم يحقق باراك أوباما أي نجاح يذكر في سياسته الخارجية حتى الآن ويبدو أنه لن يحقق، لأن الرجل باختصار جاء في مرحلة توجه أميركا نحو الهاوية، هذا التوجه الذي بدأ في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر حينما اختلقت الولايات المتحدة عدوا وهميا واستخدمت كل قوتها وقواتها واسلحتها لمحاربته.
ثم حققت فشلا ذريعا وأعادت جيوشها مهزومة من كل من افغانستان والعراق، لتواجه مرحلة جديدة تلملم فيها قواتها وقواعدها المنتشرة في أكثر من 140 دولة وما يقرب من ألف قاعدة عسكرية حول العالم، وهذا ما يراه بالتمام كل المؤرخين الذين تناولوا نشوء وسقوط القوى العظمى وعلى رأسهم المؤرخ الأميركي بول كيندي الذي كتب كتابا ترجم لأكثر من خمسين لغة حول هذا الموضوع وقال إن وصول أي قوة امبراطورية إلى التوسع العسكري الهائل معناها بداية سقوطها ومن ثم يبدأ سقوطها من ذروة قوتها، وفي حوار أجريته معه في العام 2005 قال كيندي إن الولايات المتحدة لن تسقط في يوم وليلة، ولكنها تحتاج إلى عدة عقود، لكنه توقع بأن تصبح الصين قوة منافسة لها في العقد الثالث من القرن الحالي أي خلال عشر سنوات من الآن، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تحاول لملمة نفسها من المنطقة حتى تتفرغ لمواجهة المنافس الجديد الصامت الذي يستحوذ على النصيب الأكبر من صناعات العالم وقوته وهو الصين، وقد أثبت أوباما القادم من خلفية أكاديمية أن إدارة الدول لا تخضع للنظريات والدراسات الأكاديمية ولكنها تدار من خلال الخبرة والدوران في دواليب السلطة وهذا ما لم يتوفر له فكانت فترة ولايته الأولى وكذلك الثانية منطفأة حتى بالشخصيات التي اختارها حوله باستثناء هيلاري كلينتون التي كان ألقها امتدادا لفترة وجودها إلى جوار زوجها بيل كلينتون أكثر من كونها وزيرة، أما باقي الشخصيات سواء نائبه بايدن أو وزير خارجيته صاحب الوجه الصخري المحنط جون كيري فكلها شخصيات منطفأة، وقد انعكس هذا بشكل واضح على سياسات أميركا الخارجية تجاه المناطق التي أشعلت نيرانها ولم تتمكن حتى من السيطرة عليها مثل سوريا والعراق وأفغانستان والفشل الذريع في أوكرانيا وغيرها حتى حينما أيدت الولايات المتحدة انقلاب السيسي على مرسي كانت رهانات كلها خاسرة وأدت إلى تعقيدات من الممكن أن تقرأ على وجهين الأول هو أن الأمور قد أفلتت من الولايات المتحدة ولم تستطع السيطرة عليها أو توجيهها ومن ثم فإنها ستفعل ما فعلته في فيتنام حينما حملت رجالها ومن استطاعت من عملائها ثم تركت المنطقة لأهلها يفعلون فيها ما يريدون سواء من حروب أهلية أو تصفيات أو غير ذلك، أو أنها تكون قد خططت بالفعل لما يحدث في المنطقة العربية الآن من فوضى خلاقة تترك فيها الحروب الأهلية تندلع لسنوات تأكل الأخضر واليابس ثم تساعد في جمع المنهكين بعد ذلك وتقوم بعملية تقسيم جديدة للمنطقة على اسس طائفية أو عرقية، وهذا يعني أن الشرر الذي اندلع في الشام ووصل إلى العراق الآن يمكن أن يصل إلى عدن مرورا بدول الخليج، فالنار حينما تشب يصعب السيطرة عليها في ظل عدم وجود إطفائيين أو عدم رغبتهم في إطفائها، لم تدخل الولايات المتحدة إلى مكان وتركته سالما بعد خروجها منه لذلك فإن المنطقة الآن بين الفوضى الخلاقة أو الفلتان.