السيد حمدي يحظيه |
دون أخذ المعطيات على الأرض معطاة، معطاة، ودون جمع المعلومات معلومة، معلومة، ووضعها أمامنا على الورق أو على الشاشة، سنظل نفكر بعواطفنا وبقلوبنا وبحسن نيتنا البدوية البيضاء وبعقليتنا التي كان أجدادنا يتعاملون بها لتصريف الماضي.
بعد زيارة روس الماضية، والحديث عن عودته المرتقبة رقم مئة، بدأ الناس يتحدثون ويكتبون ويتمنون ويحلمون مفتوحي الأعين، ويقولون ما الذي أتى به روس هذه المرة، وهل في محفظته هذه المرة حل، ولماذا يذهب ويجيء كل يوم، وهل مثل كل هذه الزيارات هي فقط بغرض صرف الوقت وصرف مال الأمم المتحدة- الحمد لله انه مال الأمم المتحدة وليس مالنا-؛ إنه بدون شك يحمل حلا للقضية في محفظته الكبيرة وإلا لماذا جاء، ولما أعاد الكرة والزيارة واللقاء.
إن مجيء روس ومجئيه مرة أخرى وثالثة ورابعة ربما جعل الناس يفسرون أو يستنتجون أنه، فعلا، يحمل حلا في حقيبته، وأن هذا الحل لم ينضج بعد، وأنه لا زال يُطبخ على جمر هادئ عندنا في الصحراء، وعلى غاز ملتهب في العواصم الأخرى.
والبعض ذهب به التخيل ذي الأجنحة الزرقاء، والتصور ذي اللون الوردي إلى القول أن روس، بكل تأكيد، يحمل مخطط بيكر الثاني ويريد تطبيقه في صيغة جديدة بالألوان وليس باللون الأبيض والأسود مثل الماضي، وآخرون يقولون أنه يحمل حل التقسيم، وآخرون انه يحمل – هذا في حقيبته دائما الثقيلة – حلا يقول أن أسبانيا تعود للإقليم لمدة سبع سنوات ووووو. الكثير من الحلول أو من الإشاعات التي اخترعناها أو تمنيناها أو تخيلناها وألبسناها لبوس دراعة الحلول او أو أو .
أنا شخصيا- وأقول شخصيا مع التعنت، لكن بدون مع سبق الإصرار- وأرجو إن يكون هذا فقط من باب تشاؤم شخصي محض لشخص يكتب في بادية، أو من باب قلة إطلاع وعدم معرفة بما يحدث حولي، أو يكون قِدَم معلومات، لا اسمع ما يقول روس ولا ما تقول الأمم المتحدة، إنما أعود إلى المعطيات على الأرض والمعلومات التي تحيط بالملف بشمولية.
المعطى الأول: المغرب يستعمر الأرض مسلحا بحق القوة، ومسلحا بدفاع فرنسا التاريخي عنه في مجلس الأمن، ولا هو متأثر بحرب ما عدا التأثر بزخم الانتفاضة، ولا يعاني من أزمة اقتصادية بسبب السيولة التي تتدفق عليه من طرف دول الخليج.
المعطى الثاني: هو معطى الشعب الصحراوي المدجج بقوة الحق، وبقوة التواجد على الساحة الدولية، وبقوة الصمود، وبإرادة عدم قبول أي حل ما عدا الاستقلال، ومدجج أيضا بانتفاضة متواصلة وبوجود حليف قوي ويتقوى، وله رصيد من المكاسب على الأرض.
إذن أطراف الصراع لا يوجد الآن- الآن مكررة- ما يجعلها تتنازل، أو يجعل أي منها تقبل بأنصاف الحلول. كل طرف يسند ظهره على “حيط” قوي ومتين، وبالتالي المعركة- هذا جزء من تفكيري الخاص الملون بالتشاؤم- لازالت تتطلب وقتا، وتتطلب أن يتدخل عامل خارجي قوي وحاسم يجعل المغرب ينهزم ويفقد حق القوة الذي يتمتع به. هذا العامل سيأتي، وبكل تأكيد سيأتي، لكن لا بد من الوقت، المزيد من الوقت.
وإذا كنا نحن، نفسيا وفي قناعاتنا، نفكر فقط – وفقط- في انه يجب أن يحدث تدخل عامل خارجي قوي يضغط على المغرب كي يقبل الاستفتاء، ويترك الصحراء، فيجب إن لا ننسى أن الطرف الأخر- المغرب- يفكر نفس التفكير، وينتظر إن يحدث عامل خارجي يجعل الصحراويين ينهزمون، ويتركون قضيتهم.
إذن، لا يوجد على الأرض ما يجعل احد الأطراف يقبل بالهزيمة، لا يوجد إطلاقا. كل هذه المعطيات ستجعل روس لا يحمل أي شيء جديد، وإذا حمله سيفشل فيه في النهاية.
البعض منا يعول على الطفرة التي حدثت السنة الماضية على الموقف الأمريكي حين تم تقديم مشروع قرار يطالب بتوسيع صلاحيات المينورصو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في المناطق المحتلة. البعض يعتبر هذا عامل خارجي يمكن أن يضغط على المغرب ليقبل بالعودة للاستفتاء. بعيدا عن التشاؤم، هو طفرة بالنظر إلى الموقف الأمريكي التقليدي المعروف، لكن أنا أتصور انه فقط جزء من السياسة الأمريكية الشمولية الغامضة التي تتلاعب بالعالم وبالقضايا.
لو افترضنا إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت جادة في تقديم ذلك المشروع، فهل يعقل أنها تسحبه في النهاية؟ أمريكا إذا أرادت أن تفعل فعلت، لكن لا أظن أنها كانت جادة في السنة الماضية مع فتح بابا التمني ان تعيد الكرة هذه السنة. هو مجرد جزء من اللعبة التي يتناوب الديمقراطيون والجمهوريون على إلهاء العالم بها وتمثيلها على المسرح الدولي.
وإذا كانت أمريكا بقيادة اوباما الديمقراطي قد هددت بتقديم مسودة المشروع الذي ذكرنا في سنة 2013م فيجب إن لا ننسى إن أمريكا، بقيادة كلينتون الديمقراطي، كانت قد وقفت إلى جانب بيكر سنة 1997م وفرضت على المغرب، مرغما، أن يذهب للمفاوضات المباشرة. السيناريو الآن إن المغرب سيحاول إن يضغط على المكابح( لفرانات) حتى تمر إدارة أوباما بسلام، ويتمنى إن يأتي الجمهوريون للسلطة في المرة القادمة حتى يقلبون الميزان رأسا على عقب (نتذكر ما حدث لبيكر حين تولى بوش الجمهوري الحكم)، وينفضون الطابي.
بخلاصة، فإن العامل الخارجي الذي من الممكن إن يفرض على المغرب أو البوليساريو إن يقبل بربع أو لا شيء من الخبزة أو بالعظم لا يوجد على الأرض، وبالتالي روس لا يستطيع أن يتحرك حاملا معه المثاليات الجملية مثل المفاوضات والقانون الدولي.
الذي علينا أن نفكر فيه هو إن نصمد ونقوي ذاتنا ونرفع التحدي، ولا نبقى ننتظر إن يأتي روس أو يذهب.
لا بد، في تقديري، من عامل ضاغط يفرض على المغرب أو البوليساريو أن يقبل بأي حل يقترحه روس او الأمم المتحدة، حل فيه غالب ومغلوب، وبالتالي فإن وضعية الجمود هذه على الأرض وعدم تبلور تنازلات من أحد الطرفين يجعل كل الحلول تفشل.
sidhamdi@yahoo.es