إن المتتبع للتطورات الأخيرة و المتسارعة للأزمة في مالي ، وما تبع ذلك من ردود أفعال متباينة ، سيدرك أن الأمر بالغ الخطورة و أن الحرب الدائرة هناك لا بد أن تكون لها تبعات على المنطقة ككل ، ومما لا شك فيه أننا و بحكم موقعنا الجغرافي في قلب العاصفة ، مثلنا مثل كل الدول المجاورة و أننا معنيون بهذه التطورات و بانعكاساتها على المستوى الميداني و الإقليمي ، لهذا يتوجب علينا النظر إليها بكل حرص و محاولة أن لا تكون خطواتنا تجاه هذه الأزمة إعتباطية و غير مدروسة ، بل أن نتحلى بالكثير من الحكمة و شمولية و بعد النظرة لأن الأمر يتعلق بدولة جارة و صديقة ، و لكي نبرز مدى تأثر قضيتنا بهذه الأزمة لا بد من التعريج على عدة نقاط أساسية:
ــ الدور الفرنسي في هذه الأزمة :
مما لا شك فيه أن بصمات سيد الإليزيه الجديد اليساري فرانسوا هولاند بدأت تظهر جلية على السياسة الخارجية لبلده ، و أكبر دليل على ذلك محاولة فتح صفحة جديدة مع عدو الأمس الجزائر ، و هو ما لاحظناه خلال زيارته الاخيرة للجزائر نهاية شهر ديسمبر الماضي، الأمر الذي يرى مراقبون أن هولاند قد نجح فيه و لو نسبيا إذا ما أخذنا بعين الإعتبار الخطوة المفاجئة التي قامت بها الجزائر من خلال إفساح المجال الجوي الجزائري للطيران الفرنسي في الحملة التي تشنها فرنسا على الجماعات الإسلامية شمال مالي ، هذا التقارب الفرنسي الجزائري قد يلقي بظلاله على القضية الصحراوية كون فرنسا هي الراعي الرسمي للإحتلال المغربي للصحراء الغربية ، إلا أنه وحده الوقت كفيل بأن يظهر ما إذا كانت فرنسا ستبقى وفية لحليفها المغرب في ما يتعلق بالصحراء الغربية أم أنها قد تتخلى عنه ولو نسبيا لمسك العصا من الوسط ربما ، على أي وبالعودة إلى أزمة مالي ، فما هو مؤكد هو أن فرنسا لم تتدخل في مالي حبا في الماليين بل لأن فرنسا لن تقبل أن تخسر إحدى مناطق نفوذها و إحدى الدول الفرانكفونية التي لا تزال تدين بالولاء لمستعمِـــرتها السابقة ، و ترك فرنسا لمالي أو جزء منها بيد الجماعات الإسلامية يشكل تهديدا ليس على مالي فحسب بل على الدول المجاورة لها أيضا كالنيجر و تشاد و بوركينافاسو فهي أي فرنسا تخشى على حلفائها سقوط "الدومينو".
ــ العلاقة مع الأزواد:
لا يخفى على أحد أن بداية الأزمة في مالي بعد الإنقلاب العسكري كانت خروج سكان إقليم "أزواد" الواقع في الشمال بقيادة حركة تحرير أزواد للمطالبة بإستقلال إقليمهم عن دولة مالي إلى درجة أنهم أعلنوه إقليما مستقلا ، و حدثت يومها الكثير من ردود الفعل على هذا المطلب بين مؤيد و معارض، و بعد تسارع الأحداث و ظهور الجماعات الإسلامية الجهادية كحركة " أنصار الدين" و حركة " التوحيد و الجهاد" و حدوث بعد ذلك العديد من المواجهات الميدانية كل هذا أدى إلى التغطية نسبيا على قضية الأزواد إلا أن هذه القضية لا تزال موجودة و مطالبها في إستقلال الاقليم ما فتأت تظهر بين الفينة و الأخرى ، ما يهمنا و ما نحن بصدد الحديث عنه هو علاقتنا كجبهة و كدولة بحركة تحرير الأزواد ، فلا ينبغي أن يبقى موقفنا من هذه الحركة غامضا و أن ننظر جيدا في أسلوب و كيفية التعامل معها ، فمن يدري قد يستجيب العالم لمطالبهم في إجراء إستفتاء لتقرير مصير الإقليم ـ حتى و إن لم يكن على المدى القريب ـ ما من شأنه أن يحدث تأثيرا على قضيتنا بحكم قربنا الجغرافي من الأزواد و بحكم نقاط التشابه الموجودة بين القضيتين.
ــ المساعدات الإنسانية و المتعاونين الأجانب:
تبعد مخيماتنا بمسافة ليست بالبعيدة عن شمال مالي أين تدور رحى الحرب بين الجيش الفرنسي من جهة و الجماعات الإسلامية من جهة أخرى ، الأمر الذي سيكون له التأثير البالغ ، ليس من الناحية السياسية و العسكرية فحسب بل الإنسانية أيضا ، إذ أن اللاجئين الصحراويين كما هو معروف يستفيدون من مساعدات إنسانية تساعدهم على مكابدة العيش في تلك الظروف الصعبة ، و أي قطع أو نقص في تلك المساعدات فستكون له نتائجه السلبية بكل تأكيد ، ما أريد الؤصول إليه هو أن الأجانب الممولين و أعضاء المنظمات الإنسانية عادة ما تخيفهم و تفزعهم تلك الحروب ،زد على ذلك أن الجماعات الإسلامية تعتبر طرفا في تلك الحرب ما يعني خوفهم أيضا من إمكانية تعرضهم (الأجانب) إلى عمليات إختطاف كما سبق و حدث ، بالتالي فإن الأزمة في مالي و بحكم قربنا منها سيكون لها تأثيرا مباشرا على مجيء المتعاونين الأجانب إلى المخيمات ما من شأنه أن يؤثر على المساعدات الإنسانية الموجهة للاجئين الصحراويين.
ما هو مؤكد هو أن الأزمة في مالي بدأت تأخذ منحى خطير جدا ، تسارعت فيه الأحداث إلى درجة أننا لم نعد نفهم شيء ، و ما هو مؤسف أن وسائل إعلامنا خاصتا منها الرسمية لا تبالي بهذه التطورات ولا تعطيها حقها من التغطية الإعلامية و كأننا لسنا معنيين ولا متأثرين بهذه الأحداث ، لذلك أردت من خلال هذه السطور إلى أن أنبه إلى أهمية و خطورة هذا الملف الحساس و مدى تأثرنا بكل إنعكاساته، كل هذا بالإضافة إلى السموم التي من المحتمل أن تنفثها دولة الإحتلال المغربي عن طريق مخابراتها الخبيثة من خلال الزج بنا في هذا النوع من الأزمات كربطنا بالجماعات الارهابية في شمال مالي أو أي نوع أخر من التهم التي ستسعى إلى تسويقها إعلاميا كما سبق و أن فعلت إبان الحرب الليبية فالحيطة الحيطة و الحذر الحذر.
المحفوظ محمد لمين بشري.