اصبحت ظاهرة التطرف الفكري ظاهرة عالمية، تؤرق وتشغل بال الدول والمجتمعات وتعقد
لدراستها الملتقيات والندوات وترصد لتجفيف منابعها ووأد أسبابها الأموال والأوقات،
للحد من أخطارها الوخيمة وما تتركه من اثار جسيمة تتسبب في ترويع الآمنين وسفك دماء
الأبرياء وزرع الذعر بين المواطنين، وزعزعة ركائز الأمن والاستقرار داخل البيوت
الآمنة، حتى صارت بعض المجتمعات تعيش دوامة من العنف الدموي الذي لا يرى له اهل
العقول والنهى مبررا سوى الحماقة والجهل، لكن حين ترى العشرات من شبابنا ممن وقعوا
في شراك الأفكار الوافدة التي تتبنى التكفير وإلغاء الآخر منهجا في الدعوة، حتى
أصبحت فئة من فلذات أكبادنا وهي في ريعان شبابها تساق الى وجهات مجهولة، هنا حق لنا
أن نتسأل أين هو دور الآباء والأمهات في رقابة الأبناء؟ أين دور المدرسة؟ أين دور
المصلحين وأئمة المساجد؟ اين القدوة الصالحة التي يجب ان تأخذ بأيدي أبنائنا الى بر
الأمان؟ كلها تساؤلات تغيب في بحر التفسير الخاطئ للدين الذي أصبح يعشش في مخيلة
البعض من شبابنا ويفتح المجال على مصراعيه أمام الأفكار الخاطئة حتى بات من السهل
أن يغرر بهم، فيركبون أمواج الفكر الخبيث، ويتساقطون في حبائله الغادرة، التي
تدفعهم عكس التيار الذي نسير فيه بل المصيبة الأكبر أن يصبحوا وقود أجندات معادية
لشعبهم وقضيتهم.نتأكد إذن بان المرض عضال والنتيجة وخيمة إن تركنا الحبل على
الجرار دون تدارك الأمر وهو في طور التنظير والتكفير قبل ان يصل حد التفجير حينها
نعض أصابع الندم حين لا ينفع الندم ، وتحل الفوضى بالمجتمع ويغيب الأمن والاستقرار
كما هو مشاهد ومعلوم في البلاد المجاورة ولا داعي لذكر الأمثلة فهي واضحة
للعيان،حتى أصبحت مجتمعاتنا الإسلامية تعاني الأزمات تلو الأزمات والضربات
الموجعة تلو الضربات، بسواعد أبنائها وبعقول تزرع الحقد والكراهية في قلوب
النشء.ولتسليط الضوء على أسباب الظاهرة ونتائجها المدمرة، وسبل الحد منها
وتجفيف منابعها نستعرض ذلك بشيء من التفصيل لان الخطب عظيم والمصيبة اكبر.إننا
حين ننظر إلى مجتمع ظل التسامح عنوانه الأبرز وواجهته التي يفخر ويقنع بها الآخرين
في عدالة قضيته ونبل ونقاوة كفاحه ضد العدو الغازي، نجد الكثيرين من فلذات أكبادنا
وقوانا الحية، شبابنا أمل الغد ورجاء المستقبل يتهاوى بين ايدي دعاة الفتنة
والتكفير الداعين الى سبل المهالك والتفجير يزداد الحرص على تبيين الحق والتحذير من
الباطل واهله، فمجتمعنا ليس بدعا من المجامعات ولم يكن بمعزل عن التأثر بهذا الفكر
الغريب، الذي إذا حل باي مجتمع شتت اوصاله وهدم بنيانه وزرع الفرقة بين أفراده، فهو
كالسرطان ينخر جسم الإنسان، وهذا الفكر الدخيل على مجتمعنا الصحراوي أصبح يهدد امن
و استقرار المجتمع في ظل التساهل غير المبرر من الدولة!؟ فأصبح المجتمع بين
مطرقة التكفير وسندان التنصير، فاستولى على بعض المساجد التي تخاطب المجتمع وتوجه
عقوله وتلهب حماسه، البعض من أنصاف المتعلمين الذين يبثون سموم التكفير والتحريض ضد
مبادئ المجتمع وتشكيك الناس في الثوابت الدينية والوطنية معا، مما احدث بعض البلبلة
والفوضى وصارت بعض المساجد مسرحا للجدل بدل ان تكون منارات للعلم والمعرفة وتحولت
المنابر الى خطب حماسية وافكار خرافية لا علاقة لها بمحكم القرآن ولا صحيح السنة
ولا بتراث وعقيدة المجتمع ولكم حين يسمع الشاب اليافع المتحمس للدين عبارات من قبيل
"مصحف يداس ونبي يهان والمسجد الأقصى أسير..." وغيرها من الكلمات ذات الوقع
والتأثير على شبابنا الا تنتابه العزة بالنفس والتضحية من اجل التصدي لتلك المظالم؟
وهي أساليب إغرائية خطيرة يعتمد عليها أصحاب الفكر الضال في الترويج لقدسية ما
يحاربون من اجله وما يحقق لهم الانتشار والقبول بين الناس حتى وقع الكثير من
أبنائنا في حبائل الفكر الضال وإن عن حسن نية، وقد تزيد الموضوع اجتماع عوامل
موضوعية رمت بهؤلاء الشباب إلى الانعزال عن المجتمع ورميه بالقاب الردة والتكفير
وقد يكون لظروف اللجوء التي يعيشونها وما يشعر به البعض من عدم اكتراث الدولة لحاله
ولد نوعا من القابلية لقبول تلك الأفكار التي جعلته يتوغل في سراب الوهم ،كل هذا
يحدث امام عجز الدولة عن تاطير الخطاب الديني وترشيده في خدمة مصالح المجتمع وترسيخ
قيم الوحدة والألفة وصفاء العقيدة وسلامة المنهج والتصدي لحملات التنصير والفساد
الأخلاقي التي باتت تزيد من وتيرة التطرف المضاد وتهدد هي الأخرى بيوت الصحراويين
وإن تحت مسميات وفي قوالب تظاهرات، مهرجانات، كل ذلك بات يطرح أكثر من سؤال؟إن
الجدال في عدالة قضيتنا وإسلام شعبنا ضرب من ضروب الترف الفكري الذي لا فائدة من
ورائه، أراد الأعداء تصديره إلى نفوسنا في هذه المرحلة الصعبة بالذات، وكانت محطة
الاستقبال لدى الكثير من شبابنا جاهزة فاحتضنت هذا الفكر بسبب التحمس للدين وحسن
النية وإن كنا حاولنا في البداية إخفاءه باعتباره مجرد فقاعات صابون ستضمحل وتختفي
لانها فكر دخيل وغريب على مجتمع التسامح والثوابت، لكن الواقع حكى لنا العكس حيث
زادت حزمة المنضمين للركب الجديد وكثرت الاشاعات عن غرائب فكره ، فتارة يهاجم
المجتمع ويحكم عليه بالكفر والجاهلية، وقد احدث هذا فوضى في اوساط الكثير من
العائلات التي تاثر ابناؤها بهذا الفكر وانقطع الكثير منهم عن الدراسة، بحجج واهية
حرمتهم التعلم والتبصر في علوم الدين والدنيا، وتارة يمس من المبادئ الوطنية ويشكك
في مشروعية جهادنا ومقاومتنا للعدو الغازي؟ بحجة اننا نقاتل مسلمين رغم ان المصطفى
صلى الله عليه وسلم يقول :" من قتل دون عرضه فهو شهيد " والتشكيك في شهادة من قضوا
نحبهم في ميدان العز والشرف، من هنا كان لابد من البحث في اسباب انتشار الظاهرة
ومناقشة اصحاب هذا الفكر بالحجة والبرهان، ليس غطاءا لشرعنة التصرفات المنافية
للدين وقيم المجتمع، او رغبة البعض في التشفي من المخالفين ((ما اريد إلا الإصلاح
ما استطعت... ))، لانهم اخواننا وابناء جلدتنا، نحب لهم الخير اتباعا لقوله صلى
الله عليه وسلم :" لايؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه "وان يكون لهم دور فعال
في بناء المجتمع بدلا من استنفاذ طاقاتهم الفكرية والعضلية في التخريب من حيث لا
يعلمون ولأن هذه الافكار لايمكن حجبها عن الشباب لان منع هذه الأفكار عن الشباب،
يجعلهم اشد لهفة لمعرفتها وتداولها، إنما يكون الحل في تبصير الشباب ببطلان هذه
الأفكار وخطورتها، فنحصنهم لان الوقاية خير من العلاج ..
يتبع