سيدأحمد المعطي أحمد محمود(كاتب والباحث في علم الاجتماع)
"الإنسان اجتماعي بطبعه" يؤثر ويتأثر بمحيطه وبمن هم حوله في كيان اجتماعي يتكون من الأسرة أو العشيرة أو القبيلة،وبما أن المجتمع الصحراوي يتكون من عدة قبائل اجتمعت واتحدت والتفت حول الجبهة الشعبية وتحت رايتها ،قوي هذا الإتحاد وسار بخطى ثابتة لتحرير الأرض ونيل الاستقلال التام ،وبالرغم من الظروف القاهرة التي يمر بها شعبنا المكافح ،وما يقدمه من تضحيات جسام في اللجوؤ القاسي ، انتشرت بعض المظاهر التي أصابت هذا الإتحاد وأثرت سلبا على مجتمعنا الأبي، ومن أبرزها التعصب القبلي الذي يؤكد على جوهر واحد قوامه الإنقياد العاطفي لأفكار وتصورات تتعارض مع الحقيقة الموضوعية، والولاء ألا مشروط للقبيلة وأفرادها .
لقد كان التعصب القبلي أو حتى ذكر القبيلة ، في زمن حرب التحرير جريمة من الجرائم التي قد تصل إلى الخيانة والمساس بالوحدة الوطنية التي تعد مكسب الجماهير الصحراوية،المكسب الذي وقف صامدا أمام السياسة الاستعمارية فرق تسد ،ولكن بعد وقف إطلاق النار والشروع في التحضير لعملية تحديد الهوية وإحصاء الصحراويين، بتحديد القبائل والمنتسبين إلى كل قبيلة وبعد الإنتهاء من هذه العملية بدأت القبلية تطفو والمحسوبية تعلو والتعصب ينمو حتى أصبح في مجتمعنا اليوم من الظواهر العويصة حيث يتغلغل اليوم في الحياة الاجتماعية ويفرض نفسه في أكثر مؤسسات الدولة الصحراوية تحصينا ومناعة،وأصبح في بعض الحالات معيار للتعيينات الحكومية،والوظائف الإدارية، يفرض نفسه في عمق الحياة الاجتماعية وهذا عبر مظاهر شتى تتعلق بمختلف أوجه الحياة وتجلياتها .فمعرفة الإنسان لقبيلته وانتسابه لا يذم في الشريعة بل جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم"إنما المذموم الافتخار بالقبيلة وذم انساب الناس ،واحتقار بعض منهم ، فالصحراويين يلمحون في كثير من الأحيان إلى وجود هذا التعصب ، وبعضهم يؤكده ويمارسه، وأغلبهم يرفع صوته رافضا لمختلف الممارسات التعصبية،ونحن نلاحظ وجود هذه الحالة التعصبية في كثير من أوجه نشاطات الحياة الاجتماعية في مخيمات اللاجئين، ونرى بالعين ونسمع بالأذن عن هذه الممارسات التي تحركها نوازع قبلية تشكل خطرا على المجتمع الصحراوي والحياة الاجتماعية برمتها فيه. فان بعض من الناس يجري فيهم مجرى الدم ولا يحيدون عنه يرفعون شعاراته وراياته ويصنعون أحزابه وجماعته حتى أصبحنا نسمع عن تكتلات قبلية يتم إعدادها من طرف بعض أعيان القبائل ،وهذا يضر بالكيان الصحراوي ووحدة القبائل الصحراوية ، ويبرز أيضا التعصب بأشكاله المتعددة بين ساكنة المخيم في صورة الهتافات الجارحة المتبادلة(التمعني) أو التعبيرات الرمزية(القصص) أو النقاشات الحادة أو ذم وشتم انساب وقبائل الناس. ويتجلى التعصب القبلي أيضا من جهة أخرى في بعض السلطات القانونية والعقابية التي تمارس القبلية والمحسوبية فالعقوبات تطبق على بعض الناس وبسرعة والبعض الآخر تتهاون معه الهيئات العقابية،وعدم العدل في المناصب وفي الوثائق الإدارية ، فمن المؤسف أن يعاني المجتمع الصحراوي من هذا الداء العضال في الوقت الذي يتوجب عليه أن يكون متماسك ومتحد لمواجهة التحديات .
ولكن والحمد لله بدأت القاعدة تعي بالأضرار فالتعصب فيه الضر ونعاني منه المر، فهو فكرة متجه نحو الزوال بإسرار وغيرة الشعب على القضية والمصير المشترك،فالحريات اتسعت والضغوطات انقطعت والأمور سطعت وتكريما لجهود شهدائنا الأبرار وأبطالنا الأحرار،فعلى المجتمع الصحراوي أن يكون ذا نهج سديد،ووعي شديد،ليتجنب التعصب المكظوم، والتوجه المهموم، ونتفاءل خيرا، بزوال هذه الظاهرة الخطرة، إذا كنا نريد حقا لهذا المجتمع ، أن يأخذ دوره يتوجب علينا أن ندرس مواطن الضعف فيه وعلى كل فرد أن يبدأ بنفسه ، فكما قيل "كما تكون يولى عليكم"، وأن نرصد جوانب السلب فيه من أجل تحصينه وحمايته ورعايته ودفع مسيرته إلى أسمى ما يمكن له أن يمارسه من فعل إرشادي وتوجيه لأفراده مدجج بعوامل العطاء والتضحية والمحبة وبناء ثقافة التسامح وقيم الحرية لتحقيق الهدف المنشود. وهنا يترتب على الدولة الصحراوية ولاسيما السلطات الإدارية نشر فكرة التعاون والإتحاد ونبذ العصبية وعدم العمل بالمحسوبية، وذلك بتمسك بقانون أساسه المساواة المستمد من الشريعة ويكون أداة منيعة يلاحق ويعاقب ويحاسب الذين تجمعهم المصالح القبيلة، ويتخلص الجسم الصحراوي من السموم فتزيد جاهزيته للصمود ونيل الاستقلال واستكمال تحرير الأرض الطيبة الطاهرة. ومن خلال هذا لا أريد إبطال الانتساب للقبيلة أو تمزيق وحدة القبيلة ،كلا فان القبلية فضل من الله يؤتيه من يشاء قال الله تعالى (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون)*القصص:68*،بل أريد أن يكون للقبيلة دور رئيسي متمثل بالتمسك بالوحدة الوطنية ،وواقفة عند حدودها ،فلا تنتهج نهج يضر بالكيان الصحراوي ،بل تكون قدوتها تضحيات الشهداء الأبرار وفخرها مكاسب الأبطال ،وشعارها الذي يجمع أفرادها التضحية والنضال.
كانت هذه الالتفاته البسيطة إلى موضوع من المواضيع الهامة العالقة والتي يندى لها الجبين والتي انتشرت في مجتمعنا بالاستغلال السيئ لمفهومها وأرقت كل صحراوي و يتأثر بها المجتمع حسب تفاعل أفراده وتجاوبهم .
صــــــــــــــــــــــــــــــــحراوي وأعتـــــــــــــــــــز