بعد تسعة جولات من المفاوضات المباشرة و الغير مباشرة بين جبهة البوليساريو و المغرب و التي لم تأتي اي منها بجديد أو على الأقل لم يحدث اي تقدم في ما يخص لبّ و صميم المشكل ، و المتعلق بضرورة تسهيل تطبيق لوائح و قرارات الأمم المتحدة في ما يخص تصفية الإستعمار من الصحراء الغربية ، و بعد أن أثبتت هذه المفاوضات أنها عبارة عن "حوار طرشان" و أن التفاوض فيها يتم فقط لأجل التفاوض أصبح الحديث كله يدور حول ماذا بإمكان الأم المتحدة أو أطراف النزاع أن تأتي به من جديد بعد هذا المسار التفاوضي ، فكل المعطيات تشير أن مآل المفاوضات حتما إلى الفشل أو على الأقل 5 سنوات من التسابق نحو منهاست يوحي بذلك و "الدّوني من لرض ينعت لكصيها" كما يقول المثل الشعبي.
إن إصرار المغرب على أن يكون مقترحه هو الأرضية الأساسية للتفاوض متحديا بذلك روس و هيئته و قراراتها يفرغ المفاوضات من محتواها، و يجعلنا نصدق فعلا أنها عبارة عن رحلات نقاهة لا أكثر ولا أقل ، و بالمقابل طاعة البوليساريو للأمم المتحدة و خضوعها المخجل أحيانا أمام كل ما تقول و تقرر و تنازلاتها المتتالية يجعل منها "الحيط لكصير" و الإبن المطيع في نظر الأمم المتحدة علما أن الأخيرة لا تكافؤ ولا ترضخ إلا للأبناء المشاكسين ، و لا تزال البوليساريو مع الأسف و لأكثر من عقدين لم تدرك هذه الحقيقة التي اثبتها التاريخ و التي مفادها أن الهيئة العالمية تحترم من يفرض عليها ذلك بينما تهمش و تتجاوز كل مطيع مجتهد.
إن الوضع العالمي الحالي المطبوع بالتوتر و اللاإستقرار نتيجة تأثيرات الربيع العربي التي لاتزال تلقي بظلالها على المنطقة بأكملها و خاصة الأزمة السورية التي تزداد الأمور فيها تعقيدا يوما بعد يوم، و كذلك الأزمة الإقتصادية في أوروبا و التي قلبت موازين القارة العجوز و جعل قادتها لا يفكرون إلا في الطريقة التي يُخرجون بها دولهم من هذه الأزمة الخانقة و الغير مسبوقة ، هذا بالإضافة إلى الضغوطات الذاخلية و الخارجية على منطقتنا من أجل إعادة إحياء و بعث الروح في ما يعرف بالمغرب العربي أو "الإتحاد المغاربي" ، و الذي يتوجه فيه المرزوقي إلى وضعنا بين قوسين متناسيا لمن يعود الفضل في إعتلاءه عرش قصر قرطاج ، محاولا بذلك الإقتراب أكثر من أسياده في الرباط و التي إعتبرها بلده الثاني ، و هو ما ينبأ ب "بن علي" جديد في تونس الثورة. ضف إلى ذلك صعود الإسلاميين في المغرب و هو ما راهنت عليه البوليساريو في المفاوضات الأخيرة ، و كأنه مقدر لنا أن نراهن فقط على ما لا قدرة و لا تحكم لنا فيه ، فقد راهنّا على اليمين في إسبانيا و لا جديد في الموقف الإسباني حتى الأن ،و قبل ذلك على اليمين المعتدل في فرنسا و قد كان أكثر تشددا و إنحيازا إلى الطرح المغربي من سابقيه ، و لا ندري إلى متى سنظل ننتظر و نراهن على غيرنا لتحقيق أهدافنا مع أن القاعدة وطبقا للمثل الحسّاني تقول "ألّي ماه أمعاك لا إشدلك" . كل هذه المعطيات لا تنبأ بأي إلتفاتة على المدى القريب من طرف المجتمع الدولي نحو القضية الصحراوية إذا ما أخذنا بعين الإعتبار بأن المنطقة لا تسبب أي قلق لهم فهي مصنفة كمنطقة سلم فهم بالتالي لا يجدون أي داع يفرض عليهم الإسراع بإيجاد حل لأزمة لا يدفع ثمن طول أمدها إلأ من يحترق بنارها و الذي هو الشعب الصحراوي المغلوب على أمره.
إنه و بعد أكثر من 20 سنة و نحن نخوض غمار مخطط التسوية الأممي ، أصبح جليا أن موافقة المغرب على الدخول في هذا المخطط إنما كان بموجب خطة خبيثة و محكمة حيكت بالتواطؤ مع الهيئة الأممية ، يلعب المخزن من خلالها على عامل الزمن الذي كلّما تقدم كلما اصبحت القضية في طي النسيان،و بالتالي يستفيد هو و حلفاءه من ثروات الشعب الصحراوي من غير حسيب و لا رقيب ، ، كلما تقدم الزمن كلما إزدادت معانات الصحراويين الذين فرقهم المحتل إلى جزء تحت وطأته و تسلطه و جبروته ، و جزء في مخيمات تفتقر إلى الكثير من شروط العيش و الإستمرارية، فبعد حزب الإستقلال التوسعي ها هو حزب "العدالة و التنمية " الذي أتى بعد لعبة ذكية قام بها المخزن ليحد من الإحتقان السياسي و الإجتماعي و خوفا من الإلتحاق بقطار الربيع العربي ، يطلع علينا هذا الحزب و على لسان سعد الدين العثماني وزير الخارجية في الحكومة الجديدة ليقول أنه لا بد من إيجاد حل "مبتكر" للقضية ، و الغريب أن وفدنا إكتفى بترديد الأسطوانة القديمة التي ما فتأنا نسمعها عند كل مفاوضات ، و كأننا عجزنا نحن أيضا عن إبتكار أساليب جديدة للمقاومة نستطيع من خلالها رد الإعتبار لمنظمتنا و لكفاح شعبنا ، و نجبر من خلالها الأمم المتحدة على الإلتزام بمسؤولياتها و المغرب على الرضوخ و التسليم لحقنا في الحرية و الإستقلال
إن تهديد البوليساريو المستمر بالعودة إلى حمل السلاح ، و عدم الوفاء بهذه التهديدات ، يجعل منها مجرد كلام روتيني لا يُشعر أحدا بالخطر و هو ما افقدنا المصداقية و جعل سمعت المنظمة في المحك خاصة عند أصدقاءنا و حلفاءنا الذين طالما إنتظروا منا موقف شجاع كهذا نستبدل من خلاله لغة الكلام بلغة النار و الحديد ، خاصة بعد أن أثبتت كل الأساليب الأخرى فشلها و عدم جدوائيتها.
إن قيام الأمم المتحدة بإضافة جولات أخرى من المفاوضات ليس إلا مجرد " أسبيرين " يسكن و يهدأ لكي تتفرغ هي إلى قضايا أخرى ترى فيها أكثر أهمية ، و إلا فإن الأمم المتحدة و مبعوثها كريستوفر روس و الأطراف و المراقبين كلّهم يدركون أن المفاوضات بين المغرب و البوليساريو لا تعدو كونها "عبث سياسي" و حوار عقيم ، و أنها مهما دامت فلن تحدث اي تقدم ، لذلك بات على الجميع خاصة البوليساريو الإجابة على سؤال بات يطرحه الصغير قبل الكبير و هو ماذا بعد المفاوضات؟
بقلم :المحفوظ محمد لمين بشري.
Mahfoudsh30@hotmail.com