بدأ الربيع العربي من بلدان شمال غرب إفريقيا (الاتحاد المغاربي): مخيم كديم إزيك في العيون الصحراوية المحتلة وبعده تونس فمصر وليبيا. وهكذا راحت كرة النار تتدحرج نحو المنحدر حتى وصلت إلى اليمن وسو ريا والبحرين وقد تصل إلى أبعد من ذلك في تدحرجها السريع وسقوطها الحر. وإذا كان الربيع العربي قد هب من الدول التي من الممكن -تمنياً- أن تُكوِّن الاتحاد المغاربي فإن نتائج ذلك الربيع على مستقبل الاتحاد المنشود – كإتحاد- قد تكون محبطة، وبدلا أن تعجله قد تؤجله.
بعد نجاح الثورة في تونس وليبيا، أنصب تفكير وسياسات الدول الأخرى الواقعة في المنطقة، التي لم يحل الربيع بعد في ديارها وعرصاتها (الجزائر، موريتانيا والمغرب) على شيء واحد: منع انتقال العدوى إلى الداخل. إنكفت الدول الثلاث المذكورة على نفسها، وبدأت تُحصن متاريسها من الداخل حتى لا تشتعل هي الأخرى. كل دولة أعلنت عن حزمة إصلاحات استعجالية محلية لتفادي الانفجار الوشيك الذي أصبح الكل يتوقعه بين فينة وأخرى.
على مستوى الاتحاد المغاربي حدث غير المتوقع. كان المتوقع أن صحوة الشارع وسقوط بعض الأنظمة وتخوف البعض قد يجعل الجميع يُحكم لغة العقل ويعود للرشد ويستمع للشعوب التي تريد توحيد الصف المغاربي.. إنه من الصعب الآن، بعد الذي حدث، تصور أن إفرازات الربيع العربي قد تعجل من بناء الاتحاد المغاربي. فحتى لو سلمنا( افتراضا) أو جدلا أن دول الاتحاد المذكور ستجتمع وأن زعماءها سيتصافحون ويتبادلون القبل والبسمات وسيأكلون على نفس المائدة ووو فهل سنصدق أن ذلك سيتمخض عن شيء مهم؟ بأكثر من التأكيد لا.
لنرى كيف أنه سيكون من الصعب أن يحدث بعث للاتحاد المغاربي الذي بدأ البعض يتصور أن الربيع العربي قد يعجله.
المملكة المغربية: محاولة لحس رحيق الربيع العربي وحدها
فما قامت به المملكة المغربية من محاولات أحادية منفردة ومن عزف ورقص خارج السرب بهدف لحس بعض رحيق الربيع العربي قد يجعل كل شيء يتأجل أو يتدمر. فمحاولة المملكة المغربية وحدها أن "تسوفل"، تلعب بوكير ضد بعض دول الاتحاد المغاربي كان هو السبب الرئيس الذي قد يعصف بما كان الجميع ينتظره.
إنها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها الممكلة المغربية بمحاولة مكشوفة لتدمير الأتحاد المغاربي. ففي سنة 1963م، حين كان الجميع ينتظر أن تتوحد دول شمال غرب إفريقيا بعد انتصار الثورات ضد الاستعمار، تفاجأ العالم والمهتمون بالشأن المغاربي بضرب المملكة المغربية للجزائر من الخلف والهجوم على أراضيها. سنة 1975م وحين كان الجميع أيضا يظن أن الدول المغاربية ستساعد الصحراويين في الحصول على استقلالهم ليتم توحيد دول المنطقة حدث غير المنتظر: غزت المملكة المغربية الصحراء الغربية بالقوة، وهو السبب الذي جعل الشعوب تدفع ثمن ذلك الخطأ إلى اليوم.
الآن يتكرر نفس السيناريو مع الربيع العربي. فما كادت تخرج أول مظاهرة في تونس وليبيا ومصر حتى طعنت المملكة المغربية الجميع في الظهر: سارعت بأتهام الجزائر والصحراويين وموريتانيا بأنهم يدعمون الأنظمة في ليبيا وتونس ومصر. أكثر من ذلك دفع التهور بالمملكة إلى شراء لوبيات إعلامية وسياسية في أمريكا وإسرائيل بهدف اتهام الجزائر والصحراويين والموريتانيين بأنهم يدعمون الأنظمة المتهالكة ويرسلون لها السلاح والمرتزقة.
على مستوى آخر بدأت المملكة تحرض الشعوب في ليبيا وتونس ومصر ضد الجزائر وتتهمها على أنها هي التي تتحمل دم كل من سقط في المظاهرات والاشتباكات.
على مستوى ثالث أخذت المملكة تلعب بالنار وراء الستائر. فحين تأكدت إن ثورة ليبيا وثورة تونس منتصرتين قامت بلعبة مفضوحة في واضحة النهار. وضعت على الطاولة في بنغازي وتونس كل الأوراق: تعترف بالمجلس الليبي المؤقت وبثورة تونس مقابل توحيد الدول الثلاث: ليبيا، تونس والمغرب وعزل الجزائر وموريتانيا.
وبالتوازي مع هذه الأعمال التي تنقصها الدقة والاستراتيجية الحكيمة رفعت المملكة شعارا مرفقا بالضغط على الجزائر: بناء المغرب العربي وفتح الحدود. إن "تلهَّف" المملكة المغربية على بناء الاتحاد المغاربي وفتح الحدود مع الجزائر لم تتم مناقشته إطلاقا مع الجزائر. كانت تتم مناقشته بعيدا وراء البحار في واشنطن وباريس واستجداء ضغطهما على الجزائر.
إن هكذا لعب في الكواليس، واستعمال الخدع واللجوء إلى الطعن في الظهر قد يجعل الأمور تتعقد أكثر في المنطقة.
الجزائر: الخطوط الحمراء والصفراء
بالنسبة لتعامل الجزائر مع الربيع العربي كان مبنيا على: 1) أنه ليس من مبادئها التدخل في الشئون الداخلية للغير حتى لو كان على الحدود،2) اللجوء إلى الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي لحل الأزمات في الدول التي اندلعت في الثورات، 3) لا للتدخل الخارجي في الشأن الداخلي للدول التي حدثت فيها الثورات.
إن الكثير، خاصة فرنسا والمملكة المغربية، يعملون ويتصورون ويحلمون أن تكون الجزائر هي الهدف التالي بعد أن تهدأ الأوضاع في ليبيا وسوريا. هناك بدون شك مخطط في الخفاء لضرب استقرار الجزائر يشارك فيه الكثير من الدول وعلى رأسها المملكة المغربية وفرنسا. إن الجزائر تدرك هذا جيدا وتمسك رأسها بيديها تعصر مخها حتى تتغلب على هذا المخطط الذي يتم طبخه في الخفاء. ففي الشارع الجزائري هناك وعي عام بين الجزائريين بأن اللجوء إلى العنف والحرب الداخلية ليس حلا أبدا لأي مشكل، وأن الجزائر عاشت مثل هذه الأوضاع في التسعينات ولم تربح منها أي شيء.
إذن، الجزائر تتعامل مع الربيع العربي ونتائجه بالكثير من التريث، وستتحمل كل الصدمات والضغط الواقع عليها من الخارج. إن الضغط كبير جدا على الجزائر، والتلويح بتحوليها إلى سوريا ثانية أو ليبيا ثانية هو محور كل المحادثات في الخفاء.
إنه من المعقول الآن بالنسبة للجزائر أن تتعامل مع الخطوط الحمراء والصفراء في سياستها الخارجية بالكثير من الحكمة والدبلوماسية. فمن الخطوط الصفراء التي من الممكن أن تلين فيها الجزائر نجد فتح الحدود مع المغرب وبعث الاتحاد المغاربي، لكن الذي يتوقعه الجميع أنه حتى لو تم فتح الحدود مع المغرب وتم بعث الاتحاد فإن ذلك هو نوع من التكتيك فقط ولن يصل إلى العمق. أما الخطوط الحمراء التي ستبقى عالقة- هذا يعرفه المغرب وتعرفه فرنسا- هو بناء اتحاد مغاربي على حساب الصحراويين وعلى حساب المناطق الجزائرية الحدودية التي يطالب بها المغرب. الخط الأحمر الثاني هو أن الجزائر سوف لن تتحول إلى بقرة حلوب لمملكة فقيرة أهلة بالسكان مثل المغرب باسم الاتحاد المغاربي.
- تونس: لعِبْ دور قطر في الاتحاد المغاربي
تونس تحس الآن بالكثير من الفخر والضخامة وتلبس برنوس المنتصرين. فهي تحس أن ثورتها فتحت المجال أمام زلزال كبير لم يحدث في سابقا في البلاد العربية. إن هذا الإحساس قد يجعلها تتصور أنه، رغم صغرها، بإمكانها، مثلها مثل قطر، لعب دور أكبر من مساحتها ومن إمكانيتاها في منطقة دول شمال غرب إفريقيا، وأنه بإمكانها إذا نجحت في بعث الاتحاد المغاربي أن تضيف حسنة أخرى إلى تاريخها مثل حسنة الربيع العربي .. إن الذي تقوم به تونس من محاولات لبناء الاتحاد المغاربي في المدة الأخيرة تشاركها فيه المملكة المغربية بنشاط. ففي حين أن المملكة المغربية تظن أنها غير مؤهلة بحكم علاقتها غير الحسنة مع الجزائر للعب دور الوسيط لبعث الاتحاد المغاربي فهي تدفع بتونس كوسيط من أجل هدفين:1) إظهار الجزائر أنها غير متحمسة لبناء الاتحاد المغاربي، و2) أنه، في حالة تلكؤ الجزائر، يجب بناء اتحاد مغاربي مصغر " تفرضه الضرورة" دون يضم تونس وليبيا والمغرب ولما لا موريتانيا.
موريتانيا: الحذر المضاعف
موريتانيا بدورها لا يغيب عن ذهنها أن رائحة زهور الربيع العربي قد أصبحت تُشم بالقرب منها. إنها تحس، منذ مدة، أنها أصبحت في عين الإعصار. من جهة تخاف أن تصلها شرارة من شرارات ثورات الربيع العربي التي تحملها الرياح، وهو الأمر، الذي إذا حدث، قد يقصم ظهر البلد الإفريقي المسلم والمسالم؛ من جهة ثانية هي في صراع داخلي وحدودي مع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي؛ من جهة ثالثة هي في صراع مع المخابرات المغربية المعروفة بلعبها لظامة في واضحة النهار في الساحة الموريتانية. الآن تحس موريتانيا بالكثير من الخوف من المملكة المغربية القادرة على القيام بأي عمل قذر يصل إلى حد الانقلاب. فمنذ إن اكتشفت موريتانيا الكثير من شبكات التجسس المغربية على أراضيها وطردتها أصبحت تحسب الكثير من الحسابات لمكر المملكة المغربية. كل هذه الأمور مجتمعة تجعل موريتانيا تضاعف حذرها وتتمنى أن تمر العاصفة بخير.
الجمهورية العربية الصحراوية: تمني أن يساهم الربيع العربي في حل قضية الصحراء الغربية
بالنسبة للصحراويين كدولة يحلمون ويتمنون أن يتمخض الربيع العربي عن تغير جوهري في ما ظل يحكم المنطقة من توتر فرضه احتلال المغرب لبلدهم. إن فرصة الربيع العربي والتغير الذي حدث في المنطقة يفرض على الصحراويين بعث الكثير من الرسائل إلى شعوب وأنظمة الدول المغاربية: 1) أن الاتحاد المغاربي إذا تجاهل الصحراويين الموجودين جغرافيا وتاريخيا في قلب المنطقة سوف لن ينجح، وسيفشل؛ 2) على شعوب البلدان المعنية بالاتحاد المغاربي أن تفكر بالمنطق البسيط وتقنع المملكة المغربية أن عهد "التسوفيل" ولعب البوكير قد انتهى.
من زاوية ثانية، حين لا يكون هذا كافيا، على الصحراويين أن لا يتأخروا أكثر وأن يساهموا في الربيع العربي بالدفاع عن حقهم ولو عسكريا. إن المنطقة متوترة أصلا وأي توتر جديد قد يجعلها تنفجر عن أخرها. إن الحرب هي خيار قائم خاصة منذ تم نسيان المفاوضات وتحولها إلى مجرد عبث لا تذكره حتى الإذاعات.
والحصيلة:
إن الربيع العربي من الممكن أن يزيد الشرخ الحاصل بين بلدان الاتحاد المغاربي ويجعلها تتباعد أكثر ضمنيا. على ما يبدو أن دولة أنانية، استعمارية حالمة مثل المملكة المغربية لا يهمها من الربيع العربي إلا ما تستفيد هي، وحدها، منه ولو على حساب جيرانها، وعلى حساب الدول التي تدعى أنها تريد أن تؤسس معها الاتحاد المغاربي. إن مشاركة المملكة المغربية في توريط الجزائريين والصحراويين والموريتانيين مع جيرانها، ومحاولتها تأسيس اتحاد مغاربي مصغر يقصي الجزائر سيشنج الوضع أكثر في المستقبل.
من الجانب الجزائري قد نرى الكثير من التساهل في القريب العاجل. فهذا البلد يعرف أن فتح الحدود مع المغرب وبعث الأتحاد المغاربي هو مطلب أمريكي، فرنسي ومغربي، ولبيبي وتونسي، وأنها في حالة أن تعرض وجهة نظرها المتعلقة بحزمة الملفات المعروفة سيكون الضغط عليها كثيرا.
إذن هل ننتظر تكرار سيناريو سنة 1988م الذي تأسس طبقا له اتحاد مغاربي بقى موضوعا في الثلاجة إلى اليوم ؟ من شبه المؤكد ذلك.
بقلم: السيد حمدي يحظيه
sidhamdi@yahoo.es