بين الجزائر والرباط حكاية محفوظة ظهرا عن قلب. فالمغاربة يتمنون لو يرفع الجزائريون أيديهم عن جبهة البوليزاريو وأن يكفوا عن دعم حق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال عن المحتل المغربي. وفي المقابل يطلب الجزائريون من المغاربة الكف عن تعليق تنكرهم للشرعية الدولية على شماعتهم. وبسبب تباعد الرؤيتين للحل بخصوص أعقد مشكل في إفريقيا، يضيع على ملايين الأشخاص في الدولتين ثمرات لا تعد ولا تحصى، من إمكانيات التكامل الاقتصادي والتبادل الإنساني. لكن يبدو في الأفق مؤشرات رغبة في استدراك الأخطاء، قد تقود إلى الانفراج لو ترك الطرفان القضايا الخلافية جانبا.
بين ورقة غلق الحدود وتغير خريطة الأنظمة في المنطقة
الربيع العربي ينفض الغبار على مشروع إحياء المغرب العربي
عجّل التغيير الذي مس عدة أنظمة بمنطقة شمال إفريقيا، ببروز مؤشرات عن عودة الدفء في العلاقات بين الجارتين الجزائر والمغرب. وبدأ الحديث يسري بين قياديي البلدين بشأن إمكانية تطبيع كامل للعلاقات بين البلدين، بعد فترة ركود وجمود دامت عدة سنوات.
لم تترك الجزائر رسالة العاهل المغربي في نوفمبر الفارط التي دعا فيها إلى التقارب وكشف عن نية المملكة المغربية في التطبيع الكامل مع الجارة الجزائر، تمر هذه المرة مثل سابقاتها، بحيث تجاوب معها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالدعوة بأن ''الوقت قد حان لبناء اتحاد المغرب العربي''. في تلميح لضرورة التعاطي مع التغييرات الجيوستراتيجية بالمنطقة. وعندما يعلن وزير الخارجية المغربي الأسبوع الفارط أثناء زيارته للجزائر، بأنه ''اتصلنا مع إخواننا الجزائريين لبرمجة هذه الزيارة ولم يستغرق الرد بالقبول أكثر من عشر دقائق''، فهو أكثر من مؤشر أنه تم كسر حاجز ''التوجّس'' بين البلدين ووضعت القاطرة الأولى فوق السكة. لكن هل كل الأمور على ما يرام للتطبيع الكامل للعلاقات؟
لقد سارع الوزير المنتدب للشؤون المغاربية والإفريقية الجزائري عبد القادر مساهل لوضع النقاط على الحروف، وذلك بالنظر إلى وجود تباين في مواقف البلدين لا يمكن إخفاؤه. فالجزائر ترى أنه يجب طرح كل الملفات على الطاولة، بينما يرى المغرب أن قضية فتح الحدود المغلقة منذ حادثة انفجار مراكش في 94 هي بوابة الحل. ولهذا الغرض أعلن عبد القادر مساهل، غداة زيارة رئيس الدبلوماسية المغربية سعد الدين العثماني للجزائر، بأن ''فتح الحدود لم يحن وقته''، في إشارة أن الجزائر لديها أولويات أخرى في ترتيب ملفات المفاوضات مع الرباط. وتكون هذه ''التحفظات'' التي سبقت الجزائر إلى طرحها وراء ما ذهب إليه وزير الخارجية المغربي بأن ''مقاربتنا الدبلوماسية تقر بالبدء فيما اتفق حوله، يليه فتح تدريجي لملفات محل خلاف، لأن زيارة واحدة لا تكفي''، وفي ذلك اعتراف مغربي بمتطلبات الجانب الجزائري. غير أن تغيّر الأنظمة في تونس وليبيا وزيارة كاتبة الدولة للخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى دول المغرب العربي، من شأنه بطريقة أو بأخرى، أن يشكل عامل ضغط على الجانبين الجزائري والمغربي لمعالجة ''التراكمات'' التي تقف بينهما أو على الأقل عدم العودة إلى سنوات ''الجفاء''. ويعد في هذا الصدد مشروع بعث اتحاد المغرب العربي الذي يعرف جمودا منذ سنوات ، بوابة لإعادة التطبيع بين الجانبين، خصوصا وأن هناك توجهات جديدة لدى المغرب والجزائر ترمي إلى ترك ملف الصحراء الغربية المحتلة بين أيدي الهيئة الأممية وعدم التحجج به لفرملة اللقاءات بين القادة.
نقلا عن جريدة الخبر الجزائرية